ما السبيل لمعرفة الحق رغم اختلاف الناس في دين الله [قواعد لطالب العلم]
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن وجود الاختلاف بين أبناء الأمة الواحدة؛ سنّة كونية مشاهدة، ومعروفة تاريخيًا، وهذا حال الأمة الإسلامية، إذ أن الخلاف واقع بين أبناءها منذ فجر الإسلام إلى يوم الناس هذا في مسائل الشريعة، والسؤال المطروح: ما السبيل لمعرفة الحق والكل يدّعيه لنفسه؟
ولا نشكُّ بأن الله تعالى لم يترك خلقه هملا، فكما أنه أرسل إليهم الرسل، فإنه لن يتركهم على ضلالة بعد انهاء ارسال الرّسل، قال تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}، فلابد من أن الله سبحانه وتعالى قد جعل لنا سبيلًا للوصول إلى الحق. وفعلًا قد بيّن الله تعالى لنا ذلك فقال:
{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[البقرة:213]
فنقف مع هذه الآية الكريمة ونتدبر ما فيها من معانٍ.
قال الله تعالى:
{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} ليس بينهم خلافات دينيّة، وإنما مجتمعات تربطهم الإنتماءات القبلية أو القومية بصفة عامّة، أو المصالح المشتركة، ويسكت فيهم الصالح عن الفساد، كما كانت حالة قريش قبل البعثة، فيها موحدون منعزلين مثل ورقة بن نوفل، وفيها عَبَدة أوثان، وفيها من يقول أن الملائكة بنات الله، والجميع لا ينكر أحدهم على الآخر، لأن انتماءاتهم وتجمعاتهم تقوم على أصل غير ديني. ومثله بعض المجتمعات المعاصرة التي فيها الموحد، والمشرك، على حد سواء.
{فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} فأرسل الله تعالى الأنبياء إلى تلك المجتمعات، ليبشّروا من يطيعهم في عبادة الله وحده كما أمر الله؛ بالجنّة، وينذروا من عصاهم من النار. فينقسم المجتمع على هذا الأساس إلى فسطاطين رئيسين: فسطاط الإيمان، وهم أتباع النّبي، وفسطاط الكفر، وهم المكذّبين، أو المعادين للنبي. وكذلك فإن مجتمعاتنا المعاصرة التي كانت متحدة على أساس وطني أو قومي، حينما نشطت فيها الدعوة إلى التوحيد، وإلى الانتساب إلى الإسلام؛ رأينا الكثير من الجاهلين يشيدون بأنهم كانوا لا يجدون فرقًا بين المسلم والكافر، ولا يفرقون بين عابد الله وعابد القبر!
{وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} وقوله (الكتاب) أي جنس الكتاب. فالله تعالى أنزل الكتب مع أنبيائه، ليكون كتابه هو الحَكَم الذي يفرّق اللناسُ به بين الحق والباطل، قال تعالى في آية أخرى: {وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} أي ما يفرق فيه بين الحق والباطل.
{وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} فهذا الكتاب فَصَلَ في ما اختلف الناس فيه، وبيَّنَ الحق من الباطل، إلا أن الذين أوتوا هذا الكتاب أنفسهم اختلفوا فيما بينهم، فاختلافُهم مع وجود هذا الكتاب العظيم سببه الرئيس هو البغي، كما هو ظاهر الآية. فكتاب الله يحكم بين الذين اختلفوا قبل الأنبياء، وبين الذين اختلفوا بعد الأنبياء، وفي هذا يقول الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}، فلابد من رد النزاع إلى المحكم من كلام الله تعالى، ومن سنّة نبيّه ﷺ، فإذا رُدّت الأمور إلى الوحي سقط النّزاع.
{فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فمع وجود هذا النزاع والاختلاف، ووجود البغي والأهواء التي تسببت فيه، فإن سنّة الله تعالى جرت بهداية المؤمنين، فلابد للمسلم أن يحقق الإيمان، فيهديه الله تعالى إلى الحق بإذنه، ومن أهم خصائص المؤمنين المتعلّقة في هذا الباب:
– الإيمان بالله تعالى والاستعانة به، فالخير من الله تبارك وتعالى، وهو الذي بيده الهدى. قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا}
– الدعاء، فإنه وسيلة عظيمة لطلب الحق والخير من الله تعالى، قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}
– الطاعة والتقوى، قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
– الإحسان: فالهداية للحق أحد أفراد جزاء الله تعالى للمحسنين. قال تعالى: {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}
– اجتناب الظلم، لأنه من موانع الهدى، قال تعالى: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
– اجتناب الكذب، لأنه الآخر من موانع الهدى، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}
– اجتناب المعاصي، قال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}
– التزام قول الرسول ﷺ وعدم معارضة قوله بأقوال وتأويلات غيره. قال تعالى: {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}
– الولاء والبراء، فإن الولاء إن كان صحيحًا، وكان لله ورسوله ودينه وعامة المؤمنين، لا لحزب أو مذهب أو فئة، فإنه من دواعي إرضاء الرب واستجلاب الخير، ومن المعينات على الرضى بالحق حيث كان، وإن البراء من الشرك وأهله وطريقتهم كذلك، وعدم الولاء والبراء؛ من موانع الهداية. قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}، وقال تعالى: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ}، وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ}
– ترك التّحزّب إلى غير الله ورسوله ودينه، حيث أن التحزب إلى جماعة أو طائفة يؤدي بالشخص إلى الميل إلى تبرير قولها، قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ}
– عدم الجدال للدفاع عما لا دليل له، واتّباع الدّليل حيث وُجِد. قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}، وفي سورة الجن: {وإِنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}.
– ترك الجدل والمراء، إذ أن ذلك يؤدي بالمُجادل إلى التمسك بما هو عليها حتى إن كان باطلًا، قال تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}
– عدم الميل إلى هوى النفس عند دراسة النّصوص، لأن النصوص قد يكون لها محامل وتأويلات، فإن وضع الدّارس في باله قولًا يريد الدّفاع عنه، فهذا يعميه عن الحق. قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، وقال تعالى: {ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ}، وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}
– البعد عن تبرير الشخص لعمله ولمن يحب، فهذا أمر خطير، وإن من أكبر أسباب الضلال: عدم تخطئة من أخطأ من أهل العلم (ولا أجريز تجرؤ الجهلة على ذلك)، كما أن العالِم قد يُعذر باجتهاده وإن أداه اجتهاده إلى الخطأ، وهذا ما يُقال فيه، ولكن الذي أقصده: أن لا يقال عن خطأه: صواب، تبريرًا له. قال تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}، وقال: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
– الصبر، فإنه مفتاح الفلاح. قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
– تحكيم النص الشرعي، والتسليم له حيثما وجّهنا. إذ قال الله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
– الأخذ بالنص الثابت، وترك الضعيف، والشاذ، وعدم التوسع بالآراء، والأقيسة، فإن التوسع بالتأويلات والرأي في دين الله لا يسلم من قول الباطل، وتشريع ما لم يشرع الله تعالى، والرأي هشّ بشري قابل للرد، والدليل راسخ ثابت. قال تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، وقال تعالى: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}.
– عدم الشذوذ عن السّلف، وهذا من أهم ما يقال في هذا الصدد، فمن فقد قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، وقال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}
– عدم الشذوذ عن اللغة العربيّة، فهي التي أنزل الله بها كتابَه، وتكلم بها رسولُه، فلا يجوز لإنسان أن يأت بتأويل شاذ لغويًا. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، وقال تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}
– عدم معارضة النصوص ببعضها، بل فهمها متوافقة مع بعضها، ولا يجوز لأحد بناء الحكم على نص دون النظر في النصوص الأخرى التي في نفس الموضوع، فالنصوص تبيّن بعضها، وتفسر بعضها. قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}
– قول الحق ولو كان في قوله تحمل لشيء من الأذى الدنيوي، إذا كان ما سيُقال حق عن علم، قال تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} وما تعرّض له ابن سلام المذكور في الآية بعد شهادته من إساءة من قومه.
– الذب عن دين الله، وبذل الجهد في الحق، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فَهِيَ قَبْلَ الْجِهَادِ الْعُرْفِيِّ، وَإِنَّمَا هُوَ جِهَادٌ عَامٌّ فِي دِينِ اللَّهِ وَطَلَبِ مَرْضَاتِهِ. وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
– عدم التعلّق كثيرًا بايجاد علل للأحكام، أي أن لا يتعلّق الدارس بإيجاد سبب يفهمه الإنسان؛ شرع الله الحكم لأجله، والحذر مما يفعله البعض من رد للنصوص مالم يجدوا لها علّة، أو تبديل الأحكام بناءً على العلل المتوهّمة التي أنتجتها عقولهم. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ}، وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}، الى قوله: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.
– العمل بالعلم، فإن العمل هو الثمرة لهذا العلم، قال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، وقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
– عدم أخذ الأجر، إلا لمن ألجأته الحاجة، ولم يكن فيه تشوّف نفس، فإن النفس تتوق لمزيد من الأجر، وهذا قد يؤدي بالشخض إلى زلتين، الأولى: قول ما يُرضي المعطي، والثانية: الزيادة بلا حاجة مما يأخذ الأجر عليه، فيأخذ الأجر على باطل، وهذا كسب حرام. كما قال تعالى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا}، وفي كتاب الله: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} قالها نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب صلى الله عليهم وسلم.
– شكر نعمة الله على العبد، فإنها السبيل إلى دوام النعمة، وإلى الزيادة. قال تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا}، وقال تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}، وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ}، وقال تعالى: {فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.