هل عمر هدد فاطمة بحرق بيتها؟

روى ابن أبي شيبة 37045

حدثنا محمد بن بشر ، نا عبيد الله بن عمر ، حدثنا زيد بن أسلم ، عن أبيه أسلم أنه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم ، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال: «يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله ما من أحد أحب إلينا من أبيك ، وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك ، وايم الله ما ذاك بمانعي ‌إن ‌اجتمع ‌هؤلاء ‌النفر ‌عندك ; ‌أن ‌أمرتهم أن يحرق عليهم البيت» ، قال: فلما خرج عمر جاءوها فقالت: تعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت وايم الله ليمضين لما حلف عليه ، فانصرفوا راشدين ، فروا رأيكم ولا ترجعوا إلي ، فانصرفوا عنها فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر.

[مصنف ابن أبي شيبة (7/ 432 ت الحوت)]

قال المحققون بإشراف الشثري: «صحيح؛ أخرجه أحمد في فضائل الصحابة (532)، وابن عبد البر في الاستذكار 3/ 975، وابن أبي عاصم في الآحاد (2952)،». [مصنف ابن أبي شيبة (21/ 144 ت الشثري)

قلت: عند ابن أبي عاصم رواها إلى قوله «وَلَا أَحَدًا أَحَبُّ إِلَيَّ بَعْدَ أَبِيكِ مِنْكِ».[الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (5/ 360)]

لكنه رواها كاملة في [المذكر والتذكير لابن أبي عاصم (ص91)]

وأما كتاب فضائل الصحابة فرواها القطيعي فيه مختصرة

«532 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قثنا أَبُو مَسْعُودٍ قَالَ: نا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو قثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ ‌عُمَرَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا بُويِعَ لِأَبِي بَكْرٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كَانَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ يَدْخُلَانِ عَلَى ‌فَاطِمَةَ فَيُشَاوِرَانِهَا، فَبَلَغَ ‌عُمَرَ فَدَخَلَ عَلَى ‌فَاطِمَةَ فَقَالَ: يَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ، مَا أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْ أَبِيكِ، وَمَا أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ ‌بَعْدَ ‌أَبِيكِ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْكِ، وَكَلَّمَهَا، فَدَخَلَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ عَلَى ‌فَاطِمَةَ فَقَالَتِ: انْصَرِفَا رَاشِدَيْنِ، فَمَا رَجَعَا إِلَيْهَا حَتَّى بَايَعَا.».

[فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل (1/ 364)]

المستدرك على الصحيحين

ورواها الحاكم: 4736 – حدثنا مكرم بن أحمد القاضي، ثنا أحمد بن يوسف الهمداني، ثنا عبد المؤمن بن علي الزعفراني، ثنا عبد السلام بن حرب، عن عبيد الله بن ‌عمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ‌عمر رضي الله عنه، أنه دخل على ‌فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا ‌فاطمة، والله ما رأيت أحدا أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، والله ما كان أحد من الناس ‌بعد ‌أبيك صلى الله عليه وسلم أحب إلي منك» هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه

[المستدرك على الصحيحين (3/ 168)]

صحة الرواية:

يلحظ أن الرواية صححها المحققون، وبنوا ذلك على أساس اتصال إسنادها وثقةِ رجالها. ولكن الرواية فيها علتان إسناديتان، وأُخَرُ متنية: (والعلة: السبب الخفي القادح في صحة الرواية مع كون ظاهر إسنادها الصحة)

العلة الأولى:

مدار الرواية عند الكل عن عبيد الله بن عمر، وعنه محمد بن بشر الكوفي. قال ابن رجب «‌عبيد ‌الله بن عمر العمري، ذكر يعقوب بن شيبة أن في ‌سماع ‌أهل ‌الكوفة منه شيئا». [شرح علل الترمذي (1/ 129)]

ومثل هذه العلة لا تقدح بصحة رواية الكوفيين عنه بالجملة، إلا إن وقع الشك فيها، وهذه القصة لا يوجد لها ما يؤيدها، بل هي مخالفة للأصول، ولما ثبت من مبايعة علي والزبير لأبي بكر في اليوم الثاني.

العلة الثانية:

الرواية مرسلة، فأسلَم العدوي لم يحضر القصة، ولم يُسندها إلى مِن حضر. فالقصة تاريخها قبل رمضان من السنة الحادية عشر للهجرة وهو وقت وفاة فاطمة [صحيح البخاري (4/ 209)].

وأسلَم كان «من سبي عين التمر». [الكمال في أسماء الرجال (3/ 251)] وعين التمر فتحت في السنة الثانية عشرة للهجرة. [تاريخ الطبري، وصلة تاريخ الطبري (3/ 376)]

و«عن ابن إسحاق قال بعث أبو بكر عمر سنة إحدى عشرة فأقام للناس الحج ‌وابتاع ‌فيها ‌أسلم مولاه». [التاريخ الأوسط (1/ 36)] وموسم الحج بعد رمضان بشهرين ونصف. ولعله سبي قبل انتهاء المعركة. وبكل الأحوال كان ذلك بعد موت فاطمة، فالرواية مرسلة قطعًا.

مع أن أسلم يروي عادة عن الصحابة، فلو كان يروي ما له أصل قُبِلَ منه.

 

العلة الثالثة (متنية):

قوله: «فانصرفوا عنها فلم يرجعوا ‌إليها ‌حتى ‌بايعوا ‌لأبي ‌بكر» فيه بيعة غير البيعة التي كانت في اليوم الثالث، وغير التي كانت بعبد وفاتها، فصارت ثلاث بيعات، وهذا مستبعد.

 

العلة الرابعة (متنية):

القصة عن رجلين؛ علي والزبير، وفي آخرها كلام عن جماعة. «جاءوها فقالت: تعلمون… إلخ»

 

العلة الخامسة (متنية):

مخالفتها للصحيح من قول علي رضي الله عنه، كما في صحيح البخاري عن ابن عباس يقول: «وُضع عمر على سريره، فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع وأنا فيهم، فلم يرعني إلا رجل آخذ منكبي، فإذا علي، فترحم على عمر وقال: ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله ‌بمثل ‌عمله ‌منك». [صحيح البخاري (5/ 27)]
فهل يحب علي أن يلقى الله تعالى بتخويف فاطمة وترويعها وتهديدها.

مخالفات هذه القصة لدين الرافضة:

1- أن عليًا رضي الله عنه بايع عمر، وأقر له بالخلافة، والرافضة لا يقرون بما أقر به علي.
2- هذه القصة مخالفة لما يروونه كذبا أن عمر دخل البيت فكسر ضلع فاطمة.
3- هذه القصة تنفس ولاية علي التكوينية، إذ ينسبون له القدرة على التصرف في الكون، وبنفس الوقت ينسبون له الضعف والخوف، وخذلان زوجته.

التسجيل في الجريدة الإلكترونية

عند التسجيل ستصلك مقالات الشيخ الجديدة, كل مقال جديد يكتبه الشيخ سيصلك على الإيميل

(Visited 14 times, 3 visits today)
هل عمر هدد فاطمة بحرق بيتها؟
تمرير للأعلى